الإسهامات العلمية لعلماء السِّنْد الوافدين إلى الأمصار الإسلامية خلال القرن الربع الهجري

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية ـ جامعة القصيم (السعودية) وجامعة شندي (السودان)

المستخلص

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد ؛
فلما خرجت جيوش المسلمين من الجزيرة العربيَّة تحمل رسالة الإسلام الخالدة إلى الناس أجمعين، وتزيح کلّ منْ يحول بينها وبين النَّاس؛ کانت الدائرة على أکبر عقبتين وقفتا في وجه الدعوة الإسلاميّة، هما دولتا فارس والروم، أما دولة فارس فقد دُکت حُصونها، وأصبحت أثراً بعد عين، وعمَّ الإسلام المشرق رغم العقبات التي اعترضته في عصر الخلفاء الراشدين، فجاء الأمويون وأکملوا فتوح المشرق بضم بلاد السِّنْد وبلاد ما وراء النهر، فقطنها المسلمون العرب، واختلطوا بالسکان الأصليين وتزاوجوا معهم، ولما نشطت الحرکة الفکرية في الدولة العباسية دفع العديد من أهل تلک البلاد أبناءهم لتلقِّي العلم في حواضر الإسلام، وقدِم بعضهم لممارسة العديد من المهن، فأنجبت تلک البلاد عناصر صلبة حملت منارات العلم، وکانوا علامات بارزة في شتى مجالات المعرفة.
وعلى الرغم من الضعف والانقسامات التي اعترت العصر العباسي، وظهور الدويلات المستقلة، إلا أن عجلة الحضارة لم تتوقف، فما من بقعةٍ من أرض الإسلام إلا وقد شعَّ منها نور العلم، وبرزت فيها نخبة من العُلماء في شتى المجالات. ساعد على ذلک مرحلة نضوج الثقافة الإسلاميَّة وانفتاحها على کل العلوم. کما أن بعض الاضطرابات التي حدثت في أجزاء عديدة من عالمنا الإسلاميِّ، مهدت الطريق لانتقال عدد من العلماء من بلادهم إلى مناطق أُخرى أکثر أمناً، أو إلى دول اهتم سلاطينها بتشجيع العلم والعلماء.
وقد شهد المشرق الإسلامي حرکة علمية واسعة النطاق حيث انتشرت فيه العلوم، وکثرت فيه المؤسسات العلمية التي ساعدت على ازدهار العلوم والمعارف  واکتظت بلاد السِّنْد بالعلماء في شتى العلوم، وقد وصفها الحموي بقوله: "ومذهب أهلها الغالب عليها مذهب أبي حنيفة"، وقال عن الدَّيبُل:"وقد نُسب إليها قوم من الرواة، منهم: أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي، وقال عنها المقدسي:" أکثرهم أصحاب حديث، ورأيت القاضي أبا محمد المنصوريّ داودياً في مذهبه، وله تدريس وتصانيف، وقد صنف کُتباً عدة حسنة"
 ومنذ أن فُتحت بلاد السِّنْد في نهايات القرن الهجري الأول انتظمتها حرکة دؤوبة من التنقل بينها وبين حواضر الدولة الإسلامية. وقد شهد العصر العباسيّ نشاطاً علمياً کبيراً لعلماء السِّنْد، وهؤلاء يمکن تصنيفهم إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: آباؤهم وأجدادهم من العرب، أو من بلاد أُخرى، قدموا إلى السِّنْد أيام الفتوحات الإٍسلامية أو بعدها فأقاموا فيها وتزوجوا وصاروا من أهل السِّنْد.
الفئة الثانية: آباؤهم وأجدادهم من أهل السِّنْد، اعتنقوا الإسلام، وهؤلاء أغلبهم من قبائل الزط والسيابجة وغيرها، وهؤلاء عرفوا بلاد العرب قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام اعتنقوه، فمنهم منْ بقي في بلاد العرب، وقلة منهم عادت إلى موطنها الأصلي بغرض الدعوة الإسلامية وممارسة أنشطتها هناک.
الفئة الثالثة: السبايا والموالي الذين جُلبوا من السِّنْد، وصاروا في ولاء الرِّق أو العتاقة، أو ولاء الإسلام، وانضموا إلى القبائل والأفراد وشغلوا العديد من الوظائف والأعمال، وفئة غير قليلة منهم اشتغلت بالعلوم الإسلاميّة.وهذه الفئات الثلاث لم تنقطع صلاتها ببلاد السِّنْد، فقد کانت کثيرة التنقل بين مقرها في الدولة الإسلاميّة وبين بلاد السِّنْد.
وسنحصر هذه الدراسة في العلماء ذوي الأصول السِّنْدية الذين تنقلوا بين الأمصار الإسلامية، لإبراز جهودهم العلمية، ومساهماتهم في الحرکة العلميّة التي انتظمت الدولة خلال القرن الرابع الهجري.
المشکلة والتساؤلات:
رحل کثيرٌ من رجال السِّنْد إلى الأمصار الإسلامية، وتنقلوا بين مراکز الحضارة الإسلاميّة فتعلموا العلم، وبرزوا في علوم عديدة، ثم تفرغوا للتعليم والتصنيف. وتسعى هذه الدراسة للوقوف على جهود هؤلاء العلماء وذلک من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية:

ما أبرز عُلماء السِّنْد الذين وفدوا إلى الأمصار الإسلامية؟
ما إسهاماتهم العلميّة في رفد الحرکة العلمية خلال القرن الرابع الهجري؟
على منْ أخذوا العلم؟ ومنْ هم أبرز تلاميذهم؟
ما العلوم التي برز فيها علماء السِّنْد الوافدين إلى الأمصار الإسلامية؟

 
أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة إلى تحقيق عدة أهداف، أجملها فيما يلي:

تتبُّع عُلماء السِّنْد الذين وفدوا إلى الأمصار الإسلامية.
معرفة جهودهم العلميّة خلال القرن الرابع الهجري.
رصد العلماء الذين تتلمذوا على أيديهم وأبرز تلاميذهم.
معرفة أهم العلوم التي برز فيها عُلماء السِّنْد.

أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

رفدت بلاد السِّنْد الدولة الإسلاميّة بالعديد من العناصر التي کانت لها إسهاماتها في شتى المجالات التي تحتاج إبرازها.
قدمت بلاد السِّنْد نماذج نيرة کانت لها جهودها في الحرکة العلمية.
خرج من بلاد السِّنْد العديد من العلماء الذين ذاع صيتهم، لکن على الرغم من ذلک فقد بقي أصلهم، وما قدمته منطقتهم للإسلام ظلّ مجهولاً لدى الکثير من المسلمين.
وجود هذه المجموعة من العلماء کان له نصيب وافر في إثراء الحضارة الإسلامية إلا أنه لم يفرد بدراسة منفصلة.

منهج البحث:
سلک الباحث في بحثه المنهج الوصفي متتبعاً علماء السِّنْد الذين وفدوا إلى الأمصار الإسلامية وأبرز تلاميذهم وشيوخهم وسنة وفاتهم.