استدراکات على لاروس المعجم العربي الحديث في شواهده القرآنية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

       الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله تعالى أجمعين، وأفصح العرب نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فلأن الخطأ من أعمال البشر، وأن السهو والنقص من سماتهم، فلا بد لکل عمل بشري أن يشوبه شيء من الخطأ أو السهو أو النقص، ولا يخلو عمل لهم من بعض الهنات والهفوات، والتي تتنوع في الکتابات بعامة والمعاجم بخاصة بين التحريف وسوء الضبط والنقص وغيرها، مما قد يؤدي إلى الميل عن القصد والعدول عن الصواب، وإذا استُدرِک على أحد في عملٍ عملَه فلا يعني ذلک الانتقاص منه أو إضعاف عمله، بل يقصد به الاستيفاء ما أمکن، والاقتراب من  الکمال المنشود والوصول إلى الصحة المطلوبة، والمستدرکاتُ في أي علم أو فن تکمل عمل من سبق من الباحثين ولهذا کثرت کتب الاستدراک والتعقيب على ما کتب المؤلفون، في المجالات کافةً؛ الشرعية (علوم الحديث والفقه والتفسير وغيرها)، واللغوية (النحو والمعاجم والأدب) وغيرها، والمعاجم من أکثر المؤلفات عرضة للاستدراک؛ لأن اللغة نامية متجددة، والتطورات الدلالية مستمرة، فمن الطبيعي أن تتعرض للاستدراکات والتقويم.
وجاء اختياري للاستدراک على لاروس المعجم العربي الحديث في شواهده القرآنية لأن هذا المعجم مختلف المنهج والطريقة، إذ يتبع الطريقة النطقية الغربية الحديثة، وصاحبه من قطر عربي يجمع عقائد مختلفة ومذاهب شتى (لبنان)، ومختلف الطبع والنشر؛ إذ نشر في دولة غير إسلامية (فرنسا)، في (لاروس) الشهيرة، وهي دار لها ثقلها ووزنها في مجال طبع المعاجم الأجنبية بخاصة،  والکتب اللغوية الأخرى بعامة، ولا تعلم ثقافة القائمين على هذه الدار، وقد يکون في تناول الشاهد القرآني في هذا الوسط ما يدفع لاستقرائه ومراجعته؛ فقد يعتوره شيءٌ من عدم الاهتمام واللامبالاة، بسبب أو بدافع ما من المواقف المذکورة.
ولما رأيت اهتمام الباحثين منصرفًا إلى بعض المعاجم في هذه الناحية الدينية دون غيرها کالمنجد  مثلًا، والکم الهائل من الانتقادات التي وجهت له، سواء کان في کتب أو في بحوث منشورة في مجلات علمية أو غيرها ، وکأن هذا المعجم براءٌ من تلک المآخذ، فلما لم يلتفت إليه أحد – فيما علمت- فيستقرئ شواهده القرآنية ويستخرج ما فيها من مآخذ وعيوب أو هنات على الرغم من تعرض بعض الباحثين لدراسته على العموم، لما رأيت هذا استعنت بالله تعالى ووجهت بحثي نحو نظرة هذا المعجم للقرآن الکريم من خلال شواهده التي أخذها منه.
ولأن الحرص على سلامة آي الکتاب من اللحن مطلب کل مسلم، ومدعاة لحصول الأجر والمثوبة، وبخاصة تلک التي يستشهد بها لأنها مظنة الخطأ، ربما لاختلاطها بالکتابات الأخرى، وللسهو والغفلة التي يقع فيها المؤلف، وبخاصة إذا کان الکتاب کبيرًا کالمعاجم .
وجاء اختياري للشاهد القرآني- من بين المعينات الدلالية والشواهد التوضيحية الأخرى؛  کالشاهد من الحديث النبوي والشاهد من الکلام العربية شعره ونثره، وحکمه وأمثاله، والشاهد المصنوع المرتجل، والشواهد الأخرى- لأنه أعلى الشواهد منزلةً، وأعظمها مکانة، ولأن القرآن الکريم مصدر التشريع الإسلامي الأول، والشاهد منه يؤدي مهمتين عظيمتين لا تؤديها الشواهد الأخرى غالبًا: إحداهما لغوية ببيانه الدلالة بوضوح؛ لوقوعه في سياق ظاهر، ولأنه مطروق باستمرار، فما من مسلم إلا يقرأ القرآن الکريم، أو يسمعه من غيره، في صلواته وفي أماکن وجوده، فهو أثبت في الذهن مما يسمع مرة واحدة، وفي أزمنة متباعدة، ومهمة ثقافية دينية، إذ يبين مدى ارتباط المعجمي بعقيدته وبمصدر تشريعه الأول، وهو القرآن الکريم، ويجب على المستشهد به في أي فرع من العلوم أن يحرص على صحة نقله، وسلامة ضبطه، حتى لا يتعرض للتحريف والتغيير؛ فيساء فهمه ويختلف المراد منه، وقبل ذلک هو کلام الله الذي يجب أن يبقى سليمًا من التحريف والتبديل، ويجب أن تبقى الآيات سليمةً، لا تمسها الأيدي والأقلام لا بإضافة ولا بنقص، ولا بتحريف ولا بطمس، ولا بسوء ضبط أو شکْل .
أما المنهج الذي اتبعته فهو الاستقرائي النقدي، حيث بدأت بجمع الشواهد القرآنية في هذا المعجم، واختيار ما فيه مخالفة للنص القرآني الصحيح، مع استعراض وجه الصحة والمخالفة، ومعقبًا برأي العلماء في ذينک ما أمکن، ثم أذکر النص القرآني جاعلًا معيار حکمي الرسم العثماني المتبع في المصحف الذي يصدره مجمع الملک فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، سائلًا الله تعالى أن يجعل عملي في رضاه، وينفع به.
وقد تألف هذا البحث من مقدمة وتمهيد، ومبحثين، في کل مبحث مطلبان، ثم الخاتمة.
تحدثت في التمهيد عن نوع الاستدراک الذي استدرکته على المعجم هذا من حيث شواهدُه القرآنيةُ، ثم جئت إلى المبحث الأول، عرفت في المطلب الأول بالمعجم وصاحبه، وعرجت في المطلب الثاني على دور الشاهد في المعجم. ثم انتقلت إلى المبحث الثاني الذي يعد صلب البحث وأسه، ويتفرع من هذا الفصل مطلبان؛ أولهما جعلته لما استدرک من خطأ في الشاهد القرآني يعزى إلى النقل، والآخر المستدرک في الشاهد من حيث الضبط والشکل، ذاکرًا الصواب في الشاهد، بنقل الشاهد القرآني بالرسم العثماني المعروف، مع شيء من الشرح والتقويم.
ثم ختمت البحث بخاتمة تذکر أهم ما توصلتُ إليه إبان معالجتي لهذا النوع من الاستدراک في المعجم، سائلًا الله التوفيق والسداد.