من بلاغة القرآن الکريم في حديثه عن هلاک عاد وثمود

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية اللغة العربية بالمنوفية ـ جامعة الأزهر ـ القاهرة و أستاذ مشارک جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز بالسعودية

المستخلص

الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالک يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، وتدبر القرآن الذي أنزل عليه، إلى يوم الدين.
أما بعد،،،
فلا يخفى أن القرآن الکريم هو المصدر الأول والرئيس لهداية هذه الأمة، وأن العمل بما فيه أهم أسباب نهضتها وتقدمها، لقول نبينا المکرم r: «إِنِّي قَدْ تَرَکْتُ فِيکُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: کِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ».

ومن ثم عُنِيَ کثيرٌ من العلماء في مختلف التخصصات ببيانه، وکان للبلاغيين حظ وافر من هذه العناية، وقد شرفني الله تعالى بصحبة هذا البيان المعجز ومعايشته في مرحلة العالِمية، ومن بعدها في بحوثي العلمية، فأفدت منه إفادات عظيمة، وتزودت منه بزاد بلاغي، وزاد شرعي، وتيقنت  في أثناء رحلتي معه من أن کثيرا من موضوعاته ما تزال في حاجة إلى مزيد من الوقوف معها بالدرس والتحليل؛ فهو الکتاب الذى لا تنقضي عجائبه، ولا يَخلَق عن کثرة الرد.
ومن هذه الموضوعات حديثه عن "هلاک الأمم"، والذي يحظى بمساحة واسعة في البيان القرآني، إذ لا تخلو منه أغلب سور القرآن الحکيم، ولا يخفى أن سر تلک الکثرة يرجع في المقام الأول إلى تحذير المشرکين الذين يعاندون رسول الله r، ويرفضون الانصياع لما جاءهم به، من أن ينزل بهم مثل ما نزل بالمعاندين قبلهم، ويقصد في المقام الثاني إلى إرشاد الأمة الإسلامية إلى اجتناب هذه المهلکات، والبعد عن تلک الموبقات، واليقظة التامة کي لا يتسرب إلى مجتمعها شيء من الأشياء التي أنزل الله تعالى عقابه على الأمم السابقة بسببها.
لأجل ذلک عقدت العزم على دراسة هذا الموضوع، قاصدا تحقيقَ عدة أهداف:
أولها- استجلاء بعض أسرار النظم القرآني، وبيان أوجه الإعجاز البلاغي لتراکيبه وهو يتحدث عن هذا الموضوع المهم، الذي تحتاج إليه الأمة الإسلامية في حاضرها ومستقبلها، انطلاقا من اقتناعي بأننا إذا أردنا أن نعرف حقيقة أيِّ أمر فإن الطريق إلى ذلک هو حسن استحضار البيان القرآني عنه وحسن فهمه وفقهه، لأنه البيان الذي لا يساويه بيان آخر في هذا الموضوع ولا في غيره.
ثانيها- إثراء مکتبة البلاغة العربية بعمل يخص بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن "هلاک الأمم" بالدرس والتحليل البلاغي، وذلک لخلوها - فيما أعلم - من عمل يتناول هذا الموضوع.
ثالثها- أن تجتهد هذه الدراسة في استظهار أسباب الهداية، التي يتسم بها کلام الله تعالى، في إرشاد هذه الأمة وتوجيهها إلى جليل المعاني، وعظيم التوجيهات، وبليغ العبر والعظات التي يزخر بها البيان القرآني وهو يتحدث عن "هلاک الأمم"، لا سيما وأن کثيرا من مسببات الهلاک التي ذکرها القرآن الحکيم أخذت تنتشر بين المسلمين بخاصة، ويتعاطاها کثير من البشر في مختلف أنحاء الأرض.
وقد اکتنفت دراسته صعوبتان، ذللهما الله سبحانه وتعالى بکريم فضله وامتنانه:
أولاهما : أنه يتصل بکتاب الله تعالى وبيانه العلي المعجز، الذي يفرض التحوط والتدقيق والحذر الشديد في تناوله، لا سيما ونحن نحاول أن نستنبط منه ما يعالج خللا حاصلا في واقعنا الذي نحياه.
والأخرى: أن الآيات التي تتناول هلاک الأمم کثيرة جدا، وهي تختلف عددا وأسلوبا باختلاف الأمم التي تحدث القرآن الکريم عن هلاکها، من لدن أبينا آدم - عليه السلام - إلى رسولنا محمد r.
ومن ثم بدا لي أنَّ هذا الموضوع جد وسيع، وأن الوقت والجهد قد لا يسعفاني في القيام له وبه، فآثرت أن أخص حديث القرآن الکريم عن هلاک "عاد وثمود" بالدرس والتحليل، مستعينا على ذلک بالله جل في علاه، فاتحا الباب لباحث آخر، أو باحثين آخرين يستکملون ما بدأت، ويوفون ما لم أستطع القيام به.
واختارت الدراسة للوقوف على أسرار التعبير القرآني فيه المنهج الاستقرائي القائم على استقراء الجزئيات وتصنيفها وتحليلها وتأويلها لاستنباط کليات ضابطة، والذي يسائل - أيضا -  خصوصيات التراکيب، ويتمثل نظرية النظم، التي هي أشکل بمثل هذه الدراسات.
 ومن ثم قامت بحصر الآيات التي ورد فيها الحديث عن هلاک عاد وثمود، ثم قامت بتصنيفها من حيث السمات البلاغية والخصائص الأسلوبية، واختارت من کل قسم موضعا يتميز بالاستيعاب والشمول والتفصيل لأحداث قصة کل أمة من هاتين الأمتين لترتکز عليه في بالبيان والتحليل، محاولة عقد مقارنة بين خصائص التعبير فيه وخصائص التعبير في غيره من المواضع، مع الکشف عن أسرار کل تعبير ما أمکنها ذلک.
کما رأت الدراسة أن تبدأ کلَّ موضع بتحليل الآيات التي تتحدث عن الهلاک وکيفيته؛ لأن اهتمامها مُنْصَبٌّ على هذه الجزئية، ثم يلي ذلک تحليلُ ما مَهّدَ به النظم القرآني لذلک الهلاک بالکيفية التي حصل بها، حتي تکتمل الصورة، وتتحقق العبرة والعظة.
ولما کانت الدراسة تسعى لإفادة البلاغيين بخاصة، والمسلمين بعامة فإنها حاولت المزج بين بيان ما حفل به التعبير القرآني من أساليب بلاغية، وما يترتب عليها من لطائف توجيهية، لتکون نافعة للبلاغيين وللمجتمع المسلم على السواء، کل في ميدانه.
وقد أوجب ذلک المنهج أن يأتي هذا العمل في مقدمة ومبحثين وخاتمة:
- قامت المقدمة ببيان الأسباب التي دفعت إلى اختيار هذا الموضوع، مع إيضاح المنهج المتبع في دراسته.
- والمبحث الأول جاء بعنوان : من بلاغة القرآن الکريم في حديثه عن هلاک عاد.
- والمبحث الثاني کان عنوانه: من بلاغة القرآن الکريم في حديثه عن هلاک ثمود.
- ثم جاءت الخاتمة لتکشف عن أهم النتائج والتوصيات التي انتهت الدراسة إليها.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الکريم، وأن يجزي کل من أعان عليه بکلمة أو رأي أو دعاء او دعم خير الجزاء، وأن يحقق الغاية التي قام لأجلها، إنه ولي ذلک والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الكلمات الرئيسية