ترقية العامية إلى الفصحى في رسوم الکاريکاتير

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلفون

جامعة الأميرة نورة

المستخلص

العربية الفصحى هي اللغة الأم لأبناء الأمة العربية الذين يزيد تعدادهم عن ثلاثمائة مليون يرفدهم أکثر من مليار مسلم، تتطلع الغالبية منهم إلى دراسة هذه اللغة؛ لأنها لغة القرآن، والقرآن هو الإسلام، وحينما وُجد الإسلام وُجِدت معه اللغة العربية؛ لأن القرآن عربي، يقول المبرد: «وأفضل العلوم بعْدُ علمُ اللغة وإعراب الکلام، فإنه بذلک يقرأ القرآن، وعليه تُروى الأخبار والأشعار، وبه يُزين المرء کتابه، ويُحلي لفظه وما العاميات المنتشرة في لهجات متعددة إلا متفرعة عن اللغة العربية، وبناء الأمة العربية الواحدة يکون بتعزيز هذه اللغة؛ فهي الحبل السري المتين الذي يربط بين أقطارها وأجيالها، وهي وحدها القادرة على أن تحيل التناقض القائم بين الأمة الواحدة إلى تکامل، والتنافر إلى تناغم، ولن يتم ذلک إلا عن طريق التعليم من ناحية، وباستخدام آليات الإعلام الحديثة ووسائطها المختلفة من ناحية ثانية، فاللغة العربية تعيش أزمة حقيقية سواء في الوسائط الإعلامية أو مؤسسات الدولة العربية.
کما أن التعاون الوثيق بين المؤسسات التعليمية والثقافية والوسائل الإعلامية عامل حاسم في الحفاظ على اللغة العربية سليمة نقية، وهذا يستوجب العمل والتنسيق بين جهات الاختصاص التي لا يمکن أن تغيب عنها المشکلات التي تعاني منها اللغة العربية ولا الخطر القادم مع عولمة الإعلام.
ومهما تکن الملاحظات على وسائل الإعلام والقسوة التي تلقاها من جانب الحريصين على الفصحى؛ فإن هذه الوسائل قد خدمت العربية سواء أکان ذلک عن طريق الجريدة أم الإذاعة، أم التلفاز، وفي الوطن العربي الآن عشرات الفضائيات ومثلها الإذاعات وما لا يحصى من الصحف والمجلات، وکلها تکتب وتنطق بالعربية، إلا أن الأمة التي تعاني من التفتت والشتات لا تستثمر الإمکانات التي توفرها هذه القنوات، کما أن المنظمات المعنية کالجامعة العربية والجامعات لا تقوم بدورها على الوجه المطلوب، أو أنه لا يتاح لها القيام بدور المتابعة والربط بين الجهود المتعددة لحماية الفصحى وتهميش اللهجات.
ولعل أخطر ما تعرض له العرب من تحديات في القرنين الماضيين، هو ذلک التحدي الذي عانت منه اللغة العربية بوصفها العنصر الأول والمهم بين کل العناصر المکونة للأمم، فقد أدرک أعداء الإسلام الذين طمحوا إلى تمزيق أوصال الوطن العربي أن نجاحهم في هذا يعتمد على إيجاد قطيعة تامة بين العرب ولغتهم الفصحى، واستبدالهم بها لغات أجنبية أو اللهجات العامية

علاوة على ذلک ما قاموا به على نشاط أوسع وأشمل يکاد يجتاح الوطن العربي بأقطاره کافة، ويتجلّى في التشکيک المتعمد والمتواصل في قدرة اللغة العربية على مواجهة العصر والتعامل مع متغيراته، ويرافق ذلک النشاط المبالغ فيه على دراسة اللغات الأجنبية عامة واللغة الإنجليزية خاصة.
کل ما قدمنا هدفنا منه توضيح المخاطر المتوقعة من العولمة الإعلامية والاقتصادية على اللغة؛ لذا لابد أن نکون على دراية بکل المنجزات التي تتم على صعيد اللغات وما ينالها من انحسار وذبول وأن نتفهم أسباب ذلک ونتائجه

وإذا کان هناک أشياء تحول دون کونية اللغة الإنجليزية، رغم النجاح الإعلامي الذي حققته، فإنه لا شيء يحول دون کونية اللغة العربية التي ارتبطت بالقرآن، وبما له من مکانة وحب في نفوس المسلمين لا في الوطن العربي فحسب وإنما في أنحاء العالم، وهذه الکينونة الواقعية لا تحتاج سوى التزام إعلامي عربي وإسلامي.
ومن المسلمات التي لا تحتاج إلى دليل أن القرآن الکريم قد حافظ طوال القرون الماضية على العربية الفصحى، وحافظ کذلک على العامية من السقوط في براثن الإقليمية أو المحلية، وبفضله لم يحدث بينهما (الفصحى واللهجات العامية) ما يعکر الصفو

نستطيع القول إن هذا زمن الإعلام بلا منازع أو منافس، حيث تلعب وسائل الإعلام المرئية والمسموعة دوراً واسعاً، وهو دور ذو شقين اثنين، أحدهما يقوم على الإبداع والإضافة والإسهام في تطور الوعي البشري وتقديم الإنتاج الخلّاق للعلماء والمبدعين، والآخر يقوم على إغواء الإنسان والعبث بعقله وبوقته وتزيف وعيه.
ولابد أن ننفي عن هذه الوسائل فکرة وجهي العملة، فالخطاب الإعلامي يستطيع أن يکون بوجه واحد فقط، وأن يکون وسيلة إيجابية للتوصيل المعرفي والمعلوماتي الجيد عندما يخضع للإشراف الأمين والتيسير الإنساني العلمي والموضوعي الهادف، خاصة أن الإعلام وسّع دائرة الاستخدام اللغوي، وجعل اللغة العربية في حالة حضور دائم يختلف عن حضورها في شکل الکتاب المعروف، وهذا الدور يقترن بتأکيد أهمية اللغة کعامل أساسي اجتماعي وسياسي وفکري وفني.
يضاف إلى ما سبق وهو الأهم أن اللغة عن طريق آليات الإعلام الحديثة تستطيع أن تشکل مدارس أو جامعات مفتوحة، سيکون لها دورها وإسهاماتها في تعليم الملايين سواء أکان ذلک داخل الوطن العربي أم خارجه

أوضحنا فيما سبق کيف تستطيع آليات الإعلام الحديثة أن تساعد على نشر اللغة العربية الفصحى، وتقديم أصناف المعرفة بلسانها القويم، کما ألمحنا إلى الإمکانات التي تجعل هذه الآليات قادرة على أن تربط اللغة العربية بحرکة الواقع بکل ما يضطرب في جنباته من تناقضات وصراح صاخب، لکن هذه الوسائل في تجاهل التخطيط العلمي تؤدي إلى العشوائية وتقضي إلى الانحراف بوظيفة الإعلام بعامة، وتجعل منه أداة حادة تطعن الأمة العربية الفصحى في الصميم.
ومن الصعب تتبع أشکال الإساءة إلى الفصحى في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بالتفصيل، ويکفي استخدام اللهجات العامية من خلال بعض الأعمال.
ويشير (فاروق خورشيد) في کتابه «هموم کاتب العصر»إلى ما يسميه خطورة التهاون في استخدام الأجهزة الإعلامية للهجات، وما يمکن أن يلعبه استعمال العاميات من هبوط في مستوى التلقي، وفي مستوى الأجيال التي يفصلها استعمال الإعلام للعاميات عن حسها العربي.
فالعامية کما يقول (عباس محمود العقاد)هي لغة الجهل وليست بلغة الثقافة.
لقد تأکد فيما سبق أن اللغة العربية الفصحى کانت ولا تزال مع وسائل الإعلام المقروءة منها والمسموع والمرئي في حالة من الشد والجذب، وهي الآن وبسبب هذا التنازع بين الإيجاب والسلب تقف عند مفترق طريقين: أحدهما وهو الإيجابي يضع في اعتباره -دون تخطيط- أهمية المحافظة على الفصحى المعاصرة وضرورة نشرها وجعلها قادرة على الصمود في وجه المحاولات المختلفة للانتقاص منها ومن دورها الکبير.
والطريق الآخر وهو السلبي المفروش بالأشواک والانحرافات الذي نسي السائرون عليه أن اللغة العربية کانت على مدى قرون لغة الحضارة في العالم، وکان يستحيل على الدارس والمبدع أن يستوعبا ثقافة العصر بدونها، لاسيما وقد أثبتت اللغة العربية حيويتها وقدرتها على التطور والتجديد ومواکبة التطورات في مختلف العصور

واللغة في أساسها الروحي وفي خصائصها المکانية والزمانية جزء لا يتجزأ من تاريخ الأمة، إن لم تکن هي التاريخ ذاته. ومن هنا فالعناية بها واجب رسمي وشعبي، فردي وجماعي وعلى الإعلاميين المشتغلين بها إدراک هذه الحقيقة قبل غيرهم، ولا تصور لإصلاح الإعلام العربي وتجديد دوره في حماية اللغة قبل التصور لمستويات الإعلاميين واختيارهم من ذوي الکفاءات اللغوية.
 

الكلمات الرئيسية