دلالة المبالغة الممتنعة على الأحوال النفسية في مدح الشعراء للخلفاء ( أبو نواس نموذجًا )

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية اللغة العربية بأسيوط

المستخلص

الحمد لله ، وصلاة ، وسلامًا على سيدنا رسول الله ، وعلى آله ، وصحبه ومن والاه  .
وبعد :
فإن المبالغة تحليق خيالي بالعبارات غايته زيادة المعنى ، وهي مذهب من مذاهب العرب في الکلام ، ومرجعها إلى أمور نفسية تنبع من مشاعر الشخص وأحاسيسه ، تدعوه للمبالغة في أقواله لتصل إلى مشاعر المتلقي وأحاسيسه ، ولا ضير في ذلک ، فقد يکون المقام يتطلب التوسع في الکلام والوصول إلى صورة مثالية تتضمن أسمى المعاني وأرقاها ، ولکن الضير کل الضير أن يبالغ المتکلم ، فيخرج بمبالغته إلى حدود منزلقات في الأعراف ، والعادات ، والدين ، ولقد ربط کثير من النقاد بين عقيدة الشاعر ومبالغاته ، واتخذوا منها دليلًا على ضعف دينه ، وقلة إيمانه ، باعتبار أن کلامه يعد ترجمة لما في نفسه ، وقيمه ، ومبادئه .
ولست بهذا البحث أريد الخوض في هذه القضية ؛ لأن البحث عن عقائد الناس وبخاصة الشعراء من خلال کلامهم أمر يحفه خطر شديد ، کما أن البحث عن عقائد الشعراء في أشعارهم ينبغي أن يقع خارج نطاق اهتمام النقد الأدبي ، والبحث البلاغي ؛ لأننا مع ما فعله ابن الزبعري ، وکعب بن زهير، وغيرهما بتعرضهم لشخص رسول الله ـ صلي الله وعليه وسلم ـ في شعرهم إلا إننا ما زلنا ندرس شعرهم في ميدان الدرس البلاغي والنقدي .
ولکن الغرض الرئيس من هذه الدراسة هو الوقوف على الأحوال النفسية للشاعر التي جعلته يلجأ إلى مثل هذه المبالغات التي أوقعته في دائرة الإلحاد ـ والعياذ بالله ـ مع العلم يقينًا بأن هذه المبالغات ـ مع ما فيها من فسحة خيالية ـ لا تغفر له مثل هذا لا عند الله ـ عز وجل ـ ولا عند الناس ، وعلى هذا الأساس جعلت عنوان بحثي هذا (دلالة المبالغة الممتنعة على الأحوال النفسية في مدح الشعراء للخلفاء ( أبو نواس نموذجًا ) .
ومن هنا فالغرض من هذا البحث هو الوقوف على المعطيات النفسية التي جعلت الشاعر أشد انفعالًا وأکثر تأثرًا مما عليه الحال عند الإنسان العادي من خلال الاطلاع على جزئيات القصيدة وتراکيبها ، وما هي الأدوات اللغوية التي استعملها الشاعر ، ودلالاتها المعنوية ، وخصائصها البلاغية التي من خلالها نقف على الشحنة النفسية التي أوقعته في تلک المبالغة المثيرة للمتلقي بما فيها من معان ترفضها الطباع السوية ؟ وما هو المعنى الحقيقي الذي يريد إيصاله للمتلقي ويجذبه نحوه ، ولکن من طريق خفي لمعالجة قضية حساسة مرتبطة بوجدانه الداخلي ؟
ولقد لفتت مبالغات أبي نواس أنظار النقاد قديمًا وحديثًا باعتباره رائدًا لأولئک المحدثين من أمثال أبي تمام ، والبحتري ، وغيرهما ، ومن هنا وقع اختياري له دون غيره لعدة أسباب :ـ
1ـ أنه لم يتطرق أحد ـ فيما أعلم ـ لدراسة نفسية أبي نواس من هذا الاتجاه في مدحه للخلفاء متخذًا من المبالغة طريقًا لذلک ، بل إن الدراسات النفسية حوله کانت قائمة على حبه للخمر ، والمرأة ، وعلى تمرده ، وحبه لذاته ، وإيثارها على ذوات الآخرين ، وهذا ما فعله العقاد في کتابه: ( أبو نواس الحسن بن هانئ ) ، والدکتور: محمد النويهي في کتابه : ( نفسية أبي نواس ) .
2ـ غالبًا ما يصدر الحکم على مدائح الشعراء للخلفاء بالنفاق باعتبار أن القصد منه التکسب ، والشهرة ، والذيوع ، وهذا الحکم مع کونه لا يبعد کثيرًا عن الصواب إلا إن القطع بأن الشاعر ينافق ممدوحه ينبغي الإحاطة معه بالأبعاد الأخرى المختلفة المحيطة بالشاعر ، وخاصة النفسية منها ، خاصة حينما يتعلق الأمر بنفسية شاعر اتهم بالتمرد الفني ، وعدم الاقتناع بالأنماط التعبيرية ، والقوالب الشعرية التي أفرزتها القصائد القديمة .
3ـ هناک بعض الدراسات قد استهانت بالشاعر في مجال المديح ، فمن الباحثين من رأى أن مدائحه أقل وزنًا في النظرة الشعرية لما يبرز فيه من الصنعة والتکلف، فأرادت هذه الدراسة أن تتلمس جانبًا مغايرًا لمثل هذه الأحکام من خلال الاطلاع على نفسية الشاعر ومشاعره .
ومن هنا فقد تطلبت الدراسة أن تأتي وفق المنهج الآتي :ـ
المقدمة: وفيها أسباب اختيار الموضوع ، ومنهج السير فيه .
التمهيد، ويشتمل على :
1 ـ الإيغال في الوصف بين القبول والرفض .
2 ـ الدلالة النفسية ، وأثرها في البلاغة العربية .
3ـ طبيعة الشاعر، وصداها في مدحه للخليفة الرشيد وابنه الأمين .
المبحث الأول : دلالة المبالغة علي الأحوال النفسية لأبي نواس في مدحه للخليفة الرشيد .
ـ الرهبة الشديدة المشوبة ببعض الأمل .
ـ الأمل المطلق .
المبحث الثاني : دلالة المبالغة على الأحوال النفسية لأبي نواس في مدحه للخليفة محمد الأمين .
ـ الأمل المشحون بالقلق والتوتر .
ـ الهدوء النسبي
ـ الارتياح والسرور
الخاتمة : وفيها أهم نتائج البحث .
فهرس المصادر والمراجع .
هذا وبالله التوفيق
 

الكلمات الرئيسية