کثرة الاستعمال عند الزجاج في کتابه((معاني القرآن وإعرابه)) جمعاً ودراسة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية اللغة العربية بدمياط الجديدة

المستخلص

الحمد لله حمدا کثيرا لا منتهى له على جزيل نعمه ، ووافر کرمه ، وعظيم منته، إنه لطيف خبير ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين ، أبي القاسم محمد المصطفى الأمين، وآله المصطفين ، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين ،
وبعدُ
فإن اللغة مظهر من مظاهر الحضارة لأية أمة من الأمم فحضارات الأمم تقاس بلغاتها ، ومدى استيعابها لما ينتجه الفکر الإنساني في مختلف مجالات العلوم ، لذا کان من الطبيعي أن تشهد من علماء الأمم عناية خاصة بلغاتها للحفاظ عليها ، والارتقاء بها ، وتخليصها مما يعلق بها من شوائب مع مرور الأزمان ، والعربية من اللغات التي شهدت مثل هذا الاعتناء ، بل نؤکد أنه ما من لغة حظيت بعناية ودراسة مثل ما حظيت به العربية لما تحمله من نفوس أبنائها من قدسية ، ولا عجب في ذلک فهي لغة القرآن الکريم .
ولما کانت اللغة العربية هي لغة القرآن ، وعنوان هوية الإنسان العربي، فقد لقي من العناية والبحث ما لم يلقه کتاب آخر ، کيف لا وهو الکتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟ إنه القرآن الکريم الذي دفع العلماء إلى استثارة درره ، واستخراج کنوزه ، فأنتجوا علوما مرتبطة به أشد ارتباط کمفردات اللغة والنحو والصرف والأصوات والبلاغة وغيرها، وأورثونا کنوزا من المؤلفات حفظت هذه اللغة،وأرست قواعدها ، وثبتت دعائمها ، وحرستها من اللحن والخطأ وأبقتها کل هذه القرون تزهو على جميع اللغات .
ولا يمکننا هنا ـ ونحن بصدد الحديث عن جهود العلماء في البحث في کتاب الله تعالى ـ أن نغض الطرف عن جهود الزجاج إبراهيم بن السري بن سهل(ت/311 هـ) في هذا الجانب بحال من الأحوال ، فکتابه "معاني القرآن وإعرابه" مليئ بالتعليلات والتخريجات ، بل إن کثيرا ممن جاء بعده يعوِّل عليه ، وينبه إلى تعليلاته سواء کان موافقا له أو مخالفا ومن هؤلاء العلماء على سبيل التمثيل لا الحصر :النحاس في کتابه:(إعراب القرآن) ، والطوسي في :(التبيان في تفسير القرآن) ، والواحدي في : (التفسير البسيط) ، وابن الجوزي في :(زاد المسير) ، والبغوي في :(معالم التنزيل) ، والرازي في :(مفاتيح الغيب) ، وابن منظور في:(لسان العرب) الذي کان يورد دائما رأي الزجاج ، وأبو حيان في : (البحر المحيط) ،والسمين الحلبي في :(الدر المصون) ، وابن عادل الحنبلي في : (اللباب في علوم الکتاب)،والبغدادي في:(خزانة الأدب) إذ ذکر في مقدمة کتابه أنه اتخذ معاني القرآن وإعرابه للزجاج أصلا من الأصول التي رجع إليها . وقد ذکرتُ ذلک کله في أثناء دراستي للمسائل .
وبمطالعتي کتاب معاني القرآن وإعرابه أثار انتباهي تلک التراکيب والاستعمالات العربية التي علل لها بکثرة الاستعمال ، فأردت أن أبينها وأقف على المراد من "کثرة الاستعمال" فکان موضوع هذا البحث تحت عـنوان " کثرة الاستعمال عند الزجاج في کتابه "معاني القرآن وإعرابه" جمعا ودراسة ".
وکثرة الاستعمال علة من العلل التي اجتهد العلماء في توضيح آثارها في بعض ألفاظ العربية ، وقد جعلت بغيتي في هذا البحث إبراز معناها عند الزجاج من خلال مناقشة هذه التراکيب والاستعمالات العربية التي علل لها بکثرة الاستعمال .
وقد دفعني إلى اختيار هذا الموضوع عدة أسباب منها:
1-  أنني وجدت نفسي عندما اطلعت على کتاب الزجاج "معاني القرآن وإعرابه" أمام سِفرٍ عظيم مليئ بالتراکيب والاستعمالات العربية التي حکم عليها الزجاج بکثرة الاستعمال ، فأردت أن أقف على معنى هذه الکثرة ، وکيف فهمها النحويون من بعده ؟
2-  أن مصطلح کثرة الاستعمال غامض في الدراسات النحوية الحديثة ، فضلا عن قلة من کتب فيه ، إذ إن الدراسات المتأخرة لم تستوف جوانبه بالشکل الذي يؤدي إلى فهمه فهما کاملا ، هذا بالإضافة إلى حاجة المکتبة العربية إلى مثل هذه المقالات .
3-  يعد الزجاج من أوائل العلماء الذين جمعوا بين المدرستين ـ البصرة والکوفة ـ ، فهو من الذين رأسوا المذهب البغدادي ، فقد تتلمذ على يد عالمين جليلين هما رأسا المدرستين ـ ثعلب والمبرد ـ ، فأردت أن أقف على ملامح هذه المدرسة من خلاله .
ولم يخل هذا البحث من بعض الصعوبات التي واجهتني، ولعل من أهمها: عدم توفر بعض المصادر والمراجع التي تناولت مصطلح کثرة الاستعمال بوجه عام .
أما المنهج المتبع في هذا البحث :
فإن طبيعة هذا البحث وطريقة عرضه تستدعي مني الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي الذي يقوم على الآتي:
1-   وصف الظاهرة التي حکم عليها الزجاج بکثرة الاستعمال من خلال عرض نصه فيها.
2- تحليل تلک الظاهرة التي حکم عليها بکثرة الاستعمال مستندا إلى طبيعة التأصيل النحوي من خلال رکني السماع والقياس ـ ما أمکنني ذلک ـ، للوقوف على المعنى المراد من کثرة الاستعمال ، ثم ذکر بعض المصادر والمراجع التي ذکرت تلک العلة  .
 
أما المنهجية التي اتبعتها في هذا البحث فکانت على النحو التالي :
 
ـ قمت بجمع نصوص الزجاج التي حکم فيها على بعض الترکيب والاستعمالات العربية بلفظ کثرة الاستعمال من خلال کتابه "معاني القرآن وإعرابه" ، معتمدا في ذلک على النسخة المحققة للدکتور عبد الجليل عبده شلبي .
2     ـ وضعت عنواناً مناسبا للمسألة النحوية أو الصرفية التي علل لها الزجاج بکثرة الاستعمال .
ـ صَدَّرْتُ کل مسألة بمقدمة موجزة عن المسألة ، ثم أتبعتها بنص الزجاج،ثم قمت بدراسة هذه المسألة وما فيها من آراء .
ـ توضيح أثر کثرة الاستعمال في المسألة ، وتوجيه بعض المواضع إذا تيسر ذلک ، مع التعليق في بعض المسائل على أثر القول بهذه العلة فيها ، وما ترتب على ذلک من تغيرات .
أما مصادر البحث فکانت تتفق مع مجالاته وميادينه ، بمعنى أنها کانت شاملة لأمات کتب النحو والصرف ، ومعاني القرآن وإعرابه وکتب القراءات القرآنية بالإضافة إلى کتب التفسير خاصة التي يکون مؤلفوها أو مصنفوها من علماء العربية کالنحاس والواحدي والزمخشري والأنباري والعکبري وأبي حيان والسمين الحلبي وابن عادل الحنبلي .
وقد اقتضت طبيعة البحث على وفق هذه الرؤية أن يشتمل على مقدمة، وتمهيد ، وفصلين ، وخاتمة وفهارس فنية .
أما المقدمة : فذکرت فيها أهمية الموضوع ، وأسباب اختياري له، والمنهج المتبع  في دراسته ، والمنهجية التي سار عليها البحث .
 
أما التمهيد فقسمته مبحثين :
المبحث الأول: قد تحدثت فيه عن العلة من حيث تعريفها لغة واصطلاحا وأول من تحدث فيها ثم تقسيمها .
المبحث الثاني : تحدثت فيه عن کثرة الاستعمال تعريفا وأهمية ، والعلاقة بين ما يخف على الألسن وکثرة الاستعمال ،والعلاقة بين کثرة الاستعمال وظاهرة الحذف .
أما الفصل الأول فعنوانه: المسائل النحوية التي حکم عليها الزجاج بکثرة الاستعمال ، وقد رتبته وفق ما سار عليه العلامة ابن يعيش في کتابه "شرح المفصل " ، ويشتمل على تسعة مباحث :
المبحث الأول : خصائص الاسم ويشتمل على مطلب واحد وهو الممنوع من الصرف .
المبحث الثاني : المرفوعات ، ويشتمل على مطلب واحد ، وهو المبتدأ والخبر .
المبحث الثالث : المنادى .
المبحث الرابع : المجرورات .
المبحث الخامس: المعارف ويشتمل على مطلب واحد وهو الموصولات .
المبحث السادس : أسماء الأفعال .
المبحث السابع : الأفعال ، ويشتمل على ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : الفعل المضارع المجزوم .
المطلب الثاني : فعل الأمر .
المطلب الثالث : کان وأخواتها .
المبحث الثامن : الحروف ، ويشتمل على مطلبين :
المطلب الأول : حروف الجر .
المطلب الثاني : اللامات .
المبحث التاسع : المشترک بين الأسماء والأفعال .
وأما الفصل الثاني فعنوانه : المسائل الصرفية التي حکم عليها الزجاج بکثرة الاستعمال ، وقد رتبته وفق ما سار عليه العلامة ابن الحاجب في کتابه الشافية ويشتمل على ثمانية مباحث هي :
المبحث الأول : تصريف الأفعال .
المبحث الثاني : تصريف الأسماء .
المبحث الثالث : جمع التکسير .
المبحث الرابع : الإمالة .
المبحث الخامس : تخفيف الهمزة .
المبحث السادس : تخفيف الياء .
المبحث السابع : الإدغام .
المبحث الثامن : الخط .
وأماالخاتمة : فقد ذکرت فيها أهم النتائج التي توصل البحث إليها .
وأما الفهارس الفنية : ففيها اقتصرت على فهرسين :
الأول : فهرس المصادر والمراجع .
الثاني : فهرس محتويات البحث .
 
تنبيه: اعتمدت کتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج أبي إسحاق إبراهيم ابن السري ت 311 هـ ، شرح وتحقيق د/ عبد الجليل عبده شلبي ، الطبعة الأولى ، ط 1408 ه‍ ـ 1988م .