مَوقفُ بَهَاءِ الدِّينِ بنِ النَّحَّاسِ فِي (التَّعْلِيقَةِ) مِنْ شَيخِهِ ابنِ عَمْرُونَ الحَلَبِيِّ عَرْضٌ وَتقْوِيمٌ

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

الأستاذ المساعد بکلية اللغة العربية بالمنوفية جامعة الأزهر الشريف

المستخلص

فالنَّحوُ حارسُ العربيةِ، وعمادُها، ولقد حَظِيَ في بلاد (الشام) بما حَظيت به هذه اللغةُ الثرَّة ُالولودُ، وحسبُها أنَّها لغةُ کتابِ اللهِ المُعْجِز، وهي شخصيةُ العربيِّ وذاتُه، بين أعاجمَ لا تُفصحُ، وألسنةٍ لا تُبِينُ، فلا غَروَ أنْ کانتْ همَّةُ المفکرينَ به أکبرَ، ورحابةُ العقول له أحْمَلَ، وقرائحُ المشتغلين فيه أنظرَ، وأثقبَ.
ومن أشهر أولئک الأعلامِ الذين شارکوا بجُهدٍ واضحٍ في الدرس النحوي في (الشام) في القرن السابع الهجري، الشيخُ أبو عبد الله جمالُ الدين بنُ عمرونَ الحلبيُّ (649ه)، صاحبُ أطول شرح على المفصَّل، وتلميذُه الشيخُ بهاءُ الدين بنُ النَّحاس الحلبيُّ (698ه)، الذي نقل لنا کثيرًا من تُراثِ شيخِه، وعلمه في کتابه الماتع (شرح المقرب) المُسمَّى (التعليقة).
ومن خلال قراءَتِي هذا السِّفرَ المبارکَ (التعليقة) وجدتُ صاحبَه ابنَ النَّحاس شغوفًا بشيخه ابنِ عمرون متأثرًا به، إلا أنَّه في بعض الأحيانِ يُخالفه، ويُعارضه في أدبٍ جمٍّ، ومن هنا کانت فکرة هذا البحث: (موقف بهاء الدين بن النَّحاس من شيخه ابن عمرون الحلبيِّ، عرضٌ وتقويمٌ).
وکان ورائي لاختيار هذا الموضوع ما يأتي:
أولا: إبرازُ شخصيَّةِ ابن عمرونَ في ساحة الفکر النَّحوي، وبخاصة أنه شيخٌ لابن مالک، ومع هذا لم يَعرض له ابن مالک في کتبه، على الرغم من تأثره وإعجابه به کثيرًا، کما ذکر الدماميني([1]).
ثانيًا: کشفُ النِّقاب عن (شرح المفصل) لابن عمرون؛ حيث تُعَدُّ (التعليقة) لابن النَّحاس سجلًا حافلًا  بکثرة النقول عنه.
ثالثًا: انفراد ابن عمرون بکثيرٍ من الآراء، والتعليلات والتوجيهات.
رابعًا: تأثيرُ بهاءِ الدين بن النَّحاس في کثيرٍ من خالفيه، وفي مقدمتهم تلميذه أثيرُ الدين أبو حيانَ، وکذا محبُّ الدين ناظرُ الجيش، وجلال الدين السيوطي، وغيرهم، وهم مَنْ هم علمًا وتبحُّرًا في علوم العربية وفُنونِها، فأردتُ أنْ أُجَلِّيَ شخصيةَ هذا العالم الأستاذ ابن النَّحاس. الذي تلمذَ له شيخ العربية أبو حيانَ الأندلسي.
خامسًا: اشتمالُ کتابِ (التعليقة) على کثيرٍ من مسائل الخلاف بين البصريين والکوفيين التي أغفلتها کتبُ الخلاف، وما هذا إلا لأنَّ ابنَ النَّحاس کان مُشتغلاً بقراءة الخلاف.
سادسًا: إظهارُ أثرِ ابن عمرونَ في ابن النَّحاس، وإبرازُه ، وتقويمُ هذه العلاقةِ بينهما ببيان موقف التلميذ من شيخه، وأستاذه.
خُطَّة البحث:
أدرتُ هذا البحثَ على مباحثَ ثلاثةٍ تسبقها مقدمةٌ وتمهيدٌ، ويردُفها إجمالٌ ببيان موقف ابن النَّحاس من شيخه ابن عمرون، ثمَّ الخاتمة، وثبت المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات، فجاء على النحو التالي:
أولاً: المقدمة، وقد ذکرتُ فيها نبذة عن الموضوع، وأسباب اختياري له، والخطة التي انتظمت هذا البحث، ومنهج دراستي فيه.
ثانيًا: التمهيد، وهو بعنوان: لمحة عن حياة ابن عمرون وابن النَّحاس، تناولت فيه بإيجاز الحديث عن ابن عمرون، وابن النَّحاس.
ثالثًا: المبحث الأول: وجاء بعنوان: مسائل الموافقات، وفيه تحدثت عن المسائل التي وافق فيها ابنُ النَّحاس شيخَه ابنَ عمرون.
رابعًا: المبحث الثاني: وهو بعنوان: مسائل المخالفات، وتناولت فيه المسائل التي عارض فيها ابنُ النَّحاس  ابنَ عمرون.
خامسًا: المبحث الثالث: وهو بعنوان: المسائل التي سکت عنها، ووقفتُه على المسائل التي عرض فيها ابنُ النَّحاس رأيَ شيخه، ولمْ يبْدِ فيها رأيًا، لا بالموافقة، ولا بالمخالفة.
سادسًا: بيانٌ بإجمال موقف ابن النَّحاس من شيخه، وتکلمت فيه بإيجاز عن مدى العلاقة بين ابن النَّحاس وشيخِه، وعن موقفه منه بشکلٍ عامٍّ.
سابعًا: الخاتمة، وهي تتضمنُ أهمَ النتائج التي توصلتُ إليها من خلال البحث.
ثامنًا: ثبت المصادر والمراجع.
تاسعًا: فهرس الموضوعات.
منهج البحث:
ومنهجي في هذا البحث يتلخص في الآتي:
1-  رتبتُ المسائل حسب ترتيب ألفية ابن مالک؛ لشهرتها.
2-  وضعتُ عنوانًا مناسبًا لکلِّ مسألة.
3-  قدَّمتُ لکلِّ مسألة بتمهيدٍ مُوجزٍ، کمَدخل لدراسة المسألة.
4-  نقلتُ نصَّ التعليقةِ المشتمل على رأي ابن عمرون.
5- النَّصُّ على رأي ابن عمرون، وتحقيقه من خلال الکتب التي وردَ فيها، إنْ وُجِدَ.
6- مناقشة المسألة من خلال کُتب النَّحو المعتمدة مع الترکيز على رأي ابن عمرون وابن النَّحاس فيها.
7- إظهار موقف ابن النَّحاس من شيخه.
8- بيان رأي الباحث في المسألة مدعومًا بالدليل.
9- الاعتماد على الأدلة المقنعة، والبراهين الواضحة في کلِّ أحکام هذا البحث، وآرائه وترجيحاته.
10-                    قمتُ – على قدر الإمکان – بعزوِ کلِّ قول إلى قائله بما في ذلک تخريج الآيات القرآنية الکريمة وقراءاتها، والأحاديث النبوية الشريفة، والشواهد الشعرية، وأقوال العرب النثرية.
11-                    لمْ يقفْ دَوري في هذه الدراسة عند حدِّ جمع المادة العلمية فحسب، بل تجاوزت هذا الحدَّ إلى محاولة المناقشة، والتوفيق بين الآراء المختلفة، والترجيح والتضعيف، وغير ذلک من الأمور التي تقتضيها طبيعةُ البحث العلمي.
هذا، وقدْ بذلت ما في وسعي حتى خرج البحثُ بهذه الصورة، وأعلم – علم اليقين – أنه جُهدٌ متواضع، وأنَّ شأنه شأنُ کلِّ عمل قد يجانبه التوفيق في بعض الأمور، ويُعوزه الکمالُ الذي لمْ يُخلق للبشر، فإنْ کنتُ قدْ أصبتُ فهذا فضل الله يؤتيه من يشاءُ من عباده، وإنْ کانت الأخرى فألتمس من الله – تعالى – العفوَ، ومن القاريء الکريم ذکرَ حسنة من حسنات هذا العمل، فإنَّ الحسناتِ يذهبنَ السيئاتِ، وسبحانَ من اختصَّ بعموم الکمَالاتِ.
     والحمدُ لله أولًا وآخرًا ، وصلاةً وسلامًا على محمَّدِ الخيرِ والرحمة، وعلى آله وصحبه الکرام البررة.
 
                                                                        الباحث
 

الكلمات الرئيسية